لا تلتفت إلى الناس : كان جحا وابنه على طرفي النقيض في بعض السلوك فكلما أمره أبوه بشيء عارضه قائلاً : وماذا يقول الناس عنا إذا عملناه ؟ وأراد الأب جحا أن يلقن الابن درساً ينفعه ويجعله ينصرف عن محاولة إرضاء الناس لأن رضا الناس غاية لا تدرك فركب حماراً وأمر ابنه أن يسير وراءه ولم يكد الراكب والماشي يمضيان بضع خطوات حتى مر ببعض النسوة فتصايحن في جحا : ما هذا أيها الرجل أما في قلبك رحمة تركب أنت وتدع الصغير يجري متعباً من ورائك . فنزل جحا عن الحمار وأمر ابنه بالركوب فمرا بجماعة من الشيوخ جالسين في الشمس فدق أحدهما كفاً بكف ولفت أنظار الباقين إلى هذا الرجل الأحمق الذي يمشي ويدع ابنه يركب وعلق على هذا بقوله : أيها الرجل تمشي وأنت شيخ وتدع الدابة لهذا الولد وتطمع بعد ذلك أن تعلمه الحياء والأدب . قال جحا لابنه : أسمعت تعال إذاً نركب الحمار سوياً وركبا ومضيا في طريقهما وصادفا جماعة ممن يصح أن نسميهم ( أعضاء جمعية الرفق بالحيوان ) فتصايحوا بالرجل وابنه ألا تتقيان الله في هذا الحيوان الهزيل أتركبانه معاً ووزن كل منكما أثق من وزن الحمار ؟. قال جحا وقد نزل وأنزل ابنه : أسمعت ؟ تعال إذن لنمشي معاً وندع الحمار يمضي أمامنا حتى نأمن مقالة السوء من الرجال والنساء وأصدقاء الحيوان . ومضيا والحمار أمامهما يمشي فصادفا طائفة من الخبثاء الظرفاء فاتخذوا من حالهما مادة للعبث والسخرية وقالوا : والله ما يحق لهذا الحمار إلا أن يركبكما فتريحاه من وعثاء الطريق . وتمضي القصة فتقول : إن جحا سمع كلام الظرفاء الخبثاء فذهب وابنه إلى شجرة في الطريق فاقتطعا فرعاً قوياً من فروعها وربطا حمارهما عليه وحمل جحا طرفاً من الفرع وحمل الابن طرفه الآخر . ولم يمضيا على حالهما خطوات حتى كانت وراءهما زفة من الناس تضحك من هذا المنظر الفريد الذي أنهاه رجل الشرطة حين ساق جحا وابنه والحمار إلى مكان يوضع فيه المجانين ( مستشفى الأمراض العقلية ) . وحين انتهى المطاف بجحا إلى مستشفى المجاذيب كان عليه أن يوضح لابنه خلاصة التجربة التي بلغت غايتها فالتفت إليه يقول : هذه يا بني عاقبة من يسمع إلى القيل والقال ولا يعمل عملاً إلا لأجل مرضاة الناس . وكان درساً وعاه ابن جحا وحفظه لنا التاريخ .